إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
53504 مشاهدة
الإيمان باليوم الآخر وما فيه

...............................................................................


بعد ذلك ذكر بعض العقائد التي في البعث. من عقيدة أهل السنة أنهم يؤمنون باليوم الآخر الذي هو البعث بعد الموت، وما يكون فيه، وذلك من أركان الإيمان. لما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الإيمان قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر... فاليوم الآخر هو ما بعد الموت إلى دخول أهل الجنة الجنة، ودخول أهل النار النار. كل هذا داخل في اليوم الآخر، فمن ذلك الميزان والحوض يقول في هذا:
وأقر بالميزان والحوض الذي
أرجو بأني منه ريًّا أنهل
يعني: أقر في الآخرة بالميزان. الميزان قد ذكره الله في القرآن في قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وفي قوله تعالى: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ وقوله تعالى في سورة المؤمنون: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ وفي قول الله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ .
فأخبر بأنه لا يظلم مثقال ذرة، وأن أعمال العباد توزن، وأنه لا يُترَك منها شيء. توزن الأعمال في يوم القيامة، وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ يعني: العدل يوم القيامة للناس. توزن فيها أعمالهم، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ حبة خردل. الخردل شجر معروف وحبه مثل حب الدخن أو أصغر معروف. إن كان حبة خردل أتينا بها، وورد في الميزان أنه توزن فيه أعمال العباد.
وقد اختلف هل الذي يوزن نفس الصحائف أو الأعمال أو العاملون؟ .
لا مانع من أن ذلك كله يوزن؛ أن الصحائف يعني: ولو كانت أوراقا أنها توضع في الميزان فتثقل وتخف بحسب ما فيها. روي في حديث: أنه يؤتى برجل فينشر له تسعة وتسعون سجلا. كل سجل منها مد البصر مكتوب فيها سيئاته مسجلة في هذه السجلات. كلها سيئات فإذا أُحضر يقال له: هل تنكر شيئا من هذا؟ فيقول: لا كلها سيئات. هل لك عذر؟ فيقول: لا. هل لك من حسنة؟ فيقول: لا فيقال؛ بلى: إن لك عندنا حسنة فيخرج بطاقة مكتوب فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. يعني أنه قالها في آخر حياته؛ ختم له بها، وأنه لما قالها كان عن عقيدة وعن علم وعن يقين، قالها يقينيا؛ فقال: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال الله: إنك لا تظلم، ووضعت البطاقة في كفة، ووضعت السجلات في كفة فطاشت السجلات يعني: خفت وثقلت البطاقة.
فهذا دليل على أن صحائف الأعمال توزن؛ تثقل وتخف بحسب ما فيها. وقيل: إن الأعمال تجسَّد وتوزن ولو كانت أعراضا؛ لأن الله قادر على أن يقلِبها أعراضا، فالكلام الذي يخرج منك إذا قلت: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، هل له جرم هذا الكلام الذي يخرج من الفم؟ ما له جرم، ولكن الله قادر على أن يجعل له جرما فيكون ذلك الجرم يوزن.
ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم أخبر بأنها ثقيلة بالميزان مع أنها ليس لها جرم.
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان... كلمة الحمد لله يجعلها الله جرمًا، يجعل لها جرمًا.
ورد أيضا أن الصلاة يكون لها جرم حتى في الدنيا، في الحديث: إذا صلى العبد فأحسن صلاته صعدت إلى السماء، ولها نور فتفتح لها أبواب السماء، وتدعو لصاحبها: حفظك الله كما حفظتني... ما نشاهدها، ولكن الله تعالى قادر على أن يجعل لها نورا، وأن يجعل لها جرما، وإذا صلى وأساء صلاته، صعدت ولها ظلمة؛ فتغلق دونها أبواب السماء، وتلعن صاحبها فتقول: ضيعك الله كما ضيعتني، وتلف كما يلف الثوب الخَلق، ويضرب بها وجه صاحبها الله تعالى قلبها وجعل لها حقيقة، وجعل لها جرما مع أنها عرض من الأعراض؛ فلا مانع من أن الله تعالى يقلب هذه الأعمال أعراضا وتوزن، وتثقل وتخف بحسب الإخلاص فيها.
والقول الثالث: أن الذي يُوزن هو نفس العامل؛ أنه يوضع في ميزانٍ الإنسانُ، ويثقل ويخف بحسب ما في قلبه، واستدل على ذلك بقول الله تعالى: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا يعني أنه لا وزن لهم، وليس لهم ثقل في الموازين، وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الله بن مسعود كان نحيفا فعجب الناس من صغر أو من دقة ساقيه فقال: إنهما في الميزان أثقل من جبل أحد يعني أن الله تعالى إذا جعله في الميزان ثقل الميزان به.
وفي حديث آخر أنه قال: إنه ليؤتى بالرجل السمين الأكول الشروب لا يزن عند الله جناح بعوضة ولا مانع من أن الإنسان يُوزن، وأن الصحف توزن، وأن الأعمال توزن.